الأسبوع الماضي كان التجّمع الإلحادي في جامعتي محظوظًا ِبما يكفي لإستضافة البروفيسور أ.س. جريلنج لحدث حرّية التعبير. لقد كانت خطوة في غاية الأهمّية, ليس فقط لطلاب التجّمع بل للبقّية في هذه الدولة. لماذا؟ لأننا منُذ سنٍة ماضية فقط قيل لنا أنه من غير المسموح لنا أن نقوم بتعليق المنشورات التي تشكك في وجود الإله, ناهيك عن مناقشة الموضوع.
كانت دراستي حتى المرحلة الجامعية كاثوليكية, فهناك كنت طالبًا متلهفًا في سنتي الجامعية الأولى, مسرعًا بحماسة إلى المعرض المخصص للطلاب الجدد, مستعد للإنضمام لتلك التجمعات. َمشي ُت هناك, سامعًا في أُذني "يسوع ُيحبك." ... "هل ستجد االله؟" من بين الأشياء المجانّية, إستطعت جمع مجموعة لا بأس بها من الكتّيبات الدينية و حسبت على الأقل ثلاثة أْكشاك دينية مختلفة.
توقْفت. "أين تجمع الملحدين؟"
بعد أن عِمل ُت بحثي إكتشف ُت أنه لا يوجد هناك واحد, و لا حتى تجّمع الفلسفة. قد يبدو الأمر عديم الأهمّية لبعض الناس, لكن بعد المجيء من بيئة دينّية بحتة, كن ُت حريصًا على تجربة التعليم العلماني بكل مجده. جعلني ذلك أتساءل عن الجامعات الأخرى و ما إذا كان لديها تجمعات للُملحدين أم لا. من خلال بحثي في الجامعات المهمة في لندن, أصبح واضحًا أن ثمانية فقط من إثنين و عشرين جامعة لديها تج ّمع للملحدين\انسانيين\ َعلمانيين )م.إ.ع(, لكن المفاجأة هي أن جميعها تمتلك اكثر من تجمع ديني واحد. الَن َسق المح ِزن هو أن مجتمعات الملحدين الإنسانيين والعلمانيين موجودة فقط في المؤسسات الأعلى رتبة و لا توجد داخل المؤسسات الأدنى رتبة. إ ْن كن َت طالبًا ملحداً و تقرأ هذا أينما ُكنت, أحثك على إنشاء تجمعًا لك لإعطائنا نحن الغير مؤمنين وجود أقوى في الحرم الجامعي. فهو غائب كما يبدو..
ُصلب ألموضوع هو كالتالي: الطلاب يأتون ِمن خلفيات و أعراق و أديان متعددة للدراسة في ُمؤ َسسة تجمعهم. الناس الذين تربوا تربية دينية سيحتّكون بمن تربوا تربية َعلمانّية أو من ديٍن اخر. فلماذا تنحاز الجامعات التي من المفترض أن تدعم الفكر الحر و المجتمع الكوني ِلكّفة الإمتياز الديني؟ هذا ليس الحال في الولايات المتحدة الأمريكية. الملحدون ليسوا مهّمشين لهذه الدرجة, لكن المشكلة تكمن في كون الجامعات في هذه الدولة ببساطة هي أماكن لا تستطيع فيها ال َعلمانية أن تزد ِهر. ذلك بسبب ان المؤسسات ُيسمح لها بتوفير ُغرفة صلاة للمسلمين لكن ليس كنيسة أو معبد. أعتقد أن الملحدين لديهم حانة الخمر. جادل ُت بإستمرار على أن
يكون لكّل جماعة غرفة للصلاة أو لا غرفة لأي أحد, ُخذوها بعيداً عن البيئة التعليمّية.
التّطرف في الحرم الجامعي
ماذا يحدث عند إعطاء الأولوية لعقيدة واحدة؟ تحصل على التطرف. لذلك, تخّيل أن جامعة لديها غرفة صلاة لأتباع عقيدة واحدة. تخّيل أن التجّمع هناك قد شّجع بل و إستضاف متحدثين متطرفين, الذين قّدموا تصريحات التخويف من المثليين والمعادية ل ل س ا م ّي ة . ب ل ت خ ّي ل ح ت ى أ ن و ا ح د اً م ن ط لا ب ه ا ك ا ن م ش ا ر ك ًا ف ي ه ج م ا ت ا ل ح ا د ي ع ش ر م ن س ب ت م ب ر . ح ق ي ق ًة أ ن ت ل س َت ب ح ا ج ة ل ل ت خ ّي ل . هذا واقعي. حدث كّل ذلك في جامعة واحدة. هذا ِمثال واحد فقط. مع ذلك, لا تزال الأقلّية الُمتطّرفة تش ِّكل القّوة الأكبر في الإتحاد.
عند محاولة الطلاب العلمانيين رفع أصواتهم أو من ّصتهم الخا ّصة بهم في الحرم الجامعي, كثيراً ما نلقى قدر كبير من المقاومة من ِقبل المؤسسات والطلاب أنفسهم. عندما تريد تجّمعاتنا تسمية قطع من الفاكهة, أو إرتداء ملابس برسوم الأنبياء أو وضع ملصقات ساِخرة ... يعتبر ذلك غير مقبول تمامًا. هل تلك الأفعال ضاّرة كما هي أفعال التجّمعات الدينّية؟ هل نحّرض على إرتكاب مجازر بحق الأناناس؟ صوت التطرف والأصولية عاٍل في جامعاتنا. سقوطنا يكمن في صمتنا. عندما نتكلم، ُن َّتهم بأننا ُمهينون, كارهون للإسلام ومعادون للمسيحّية. ولكن إذا ما تخاذلنا مراراً وتكراراً لنظام ديني أو أقلية معّينة تريدنا إعتناقه, فسو َف لن نخلق مؤسسة تعليمّية متعددة الثقافات.
مؤسسات التعليم العالي لدينا تقول لنا لا للتعبير عن وجهات نظرنا وتفرض رقابًة علينا. إذا كّنا كطلاب، في مرحلة إعداد أنفسنا لما يسمى بالعالم الحقيقي، بحاجة إلى شخص آخر ليقرر عّنا ما ُيعتبر أو لا ُيعتبر مهينًا, فكيف يمكننا أن نتعاطف مع وجهات نظر أو معتقدات الآخرين؟
من الذي يحدد ما ُيعتبر مهينًا؟
هنا يطرح السؤال القبيح نفسه من الذي يقرر ما هو مسموح وما هو غير مسموح؟ من الواضح ان الأمر غير مناسب عندما يكونوا الطلاب هم من يفعل. الطلاب الذين يشعرون أنه من المقبول تشويه و إزالة و تمزيق الملصقات الإلحادّية. بد ًلا من جعل الأمر مسألة الملحدين مقابل الإتحاد, فإنهم بحاجة للعمل معًا من أجل تثقيف الطلاب الذين يقدّمون الشكاوى ضّدنا. عندما تقوم بحظر بعض الملصقات والقمصان, أو الأناناس من الطلاب لأنه قد يسيء للبعض, فأنت في الواقع تحّد من نمّوهم الثقافي و تفكيرهم الحر. هذا ِنداء لجميع المؤمنين العقلانيين، الذين يفهمون السخرّية والنكات والتهّكم. الذين هم معتدلون في معتقداتهم الخاصة. ساعدوا الطلاب العلمانيين. الملحدون هنا لا يلعبون دور الضحية. و إنما هو الرغبة في التعاون بين معتنقي العقائد و الملحدين للوقوف معًا ضد التطرف في الجامعات. إنها لحقيقة محزنة أن أعترف بأني في مدرستي الثانوية الدينية، كنت قادرا ً على ممارسة حقوقي بحرية أكبر.
لذلك، فإن كيفية تصّرف طلابنا وجامعاتنا مع الأمر عند حدوث الإعتداء هي المشكلة التي تحتاج إلى المعالجة. السبب الذي يجعل هؤلاء الطلاب يعتقدون انه من المقبول الرد بالطريقة التي يتصرفون بها عندما يتم الطعن بمعتقداتهم, هو أنهم قد تعّودوا على امتلاكهم للإمتيازات.
د ع َو ة ل َح م ل ا ل ّس لا ح
مبدئيًا, قُم بإنشاء النقابات الطلابية العلمانية, و بعدها لا تتخّوف من التعبير عن نفسك. عندما يتم تحّديك لا تتراجع. من أجل تقليل الرقابة التي نواجهها نحن بحاجة لنكون جزءاً فاع ًلا في الكادر الطلابي. لحسن الحظ الآن, و في حالتي, نقابة الطلاب إنقلبت ۱۸۰ درجة و ستقوم بدع ِمنا, وهذا ما سم َح لنا بعقد مثل هذا الحدث الناجح. ينبغي أن يكون هذا الحدث مثا ًلا للنقابات الأخرى. عندما يقومون بفرض رقابة على الإعلانات الملحدة فهذا بمثابة حصر الأطفال في منطقة معينة من مكتبة، و الدفع ِبهم لقراءة نوع واحد من الكتب بإستمرار, و إلقاء النظرات العابرة على الأقسام أخرى من َخلف الّرفوف..
"كلا لا تسمح لهم بإلقاء النظر! قد يكونون عرضة لأفكار اُخرى! هذه الأفكار قد تؤذيهم لأنها ُمختلفة!"
هذه ليست الطريقة التي ينبغي أن ُيعامل بها الشّبان.
أخيراً و لجعل المسألة واضحة, أنا لا أدعي الحق في عدم التعرض للرقابة، ولا أقول أن بإمكاني اختيار ما يمكن رقابته. ما أطلبه هو أن يقدم الناس مساعدة أكبر للطلاب العلمانيين إنهم يخوضون معركة صعبة, و أن يقدموا مثا ًلا يحتذى به. كان هناك الكثير من البلبلة حول مدى خطأ هذا الوضع بُر ِّمته, ولكن الحل بسيط, تقّبل الاخر. عندما كّنا أطفا ًلا في الحضانة, والمدارس الإبتدائية و الثانوّية, تم تعليمنا عن تقّبل الاخر. للأسف بعض البالغين بحاجة للتذكير.
يبدو حاليا أن الدين يجلس على رأس النقابات, ما يسمح للآخرين بالإندساس و النفاذ عبرها, دون أن تنزعج تلك النقابات لكونها غافلة عّما يجري من حولها. الطلاب ليسوا عادلين. "على كّل حال الأمر لا يؤثر بي حقًا." أو "لماذا يجب أن أهتم؟ دعهم يحصلون على ما يريدون." هذه ليست فقط وظيفتي و وظيفة الطلاب الملحدين أن نخوض هذه المعركة, ولكنها وظيفتك ايضًا. نحن في حاجة لدعم حرية التعبير و الفكر الحر في الجامعات لأنها مركز الديمقراطية. الموقف الُمتغاضي في عمل هذه المؤسسات لا يسمح بخطاب الكراهية الدينية فحسب بل يهيئ المجال للترويج له أيضًا.
إذا كان القّراء هنا من مؤسسة للتعليم العالي و قد شعروا بالإساءة بسبب ما تمت كتابته هنا, ربما عليك التفكير في العودة إلى المدرسة الإبتدائية, حيث يتم إرضاعك تلك المعتقدات, و تلقينك اّياها بالضرب.. في حين نكون نحن البقية أحرار في التعبير عن
وجهات نظرنا وتوسيعها. إدعم حرّية التعبير داخل الحرم الجامعي. تابع المنظمات مثل تجّمات الإتحاد الوطني للطلاب الملحدين و الإنسانيين و العلمانيين )المملكة المتحدة( ومركز الإستعلامات في الحرم الجامعي.
كلّما كان وجودنا أقوى, كلّما أصبحنا أكثر تقدمًا. إْن ُكّنا صامتين, فسنكون مهّمشين.
Photo Credits: Toni Blay